طرحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة سلام جديدة لقطاع غزة خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في لحظة شديدة الحساسية تتقاطع فيها الأبعاد الإنسانية مع الضغوط السياسية والأولويات الأمنية مع اقتراب الذكرى الثانية للحرب، حسبما ذكر الكاتب عمرو حمزاوي. ويختبر هذا المقترح قدرة الأطراف على المواءمة بين الطموح السياسي والواقع المعقّد على الأرض.

أشار الكاتب في تحليله الذي نشرته مؤسسة كارينيجي إلى أنّ خطة ترامب تقدّم رؤية متكاملة لإعادة إعمار غزة ووقف دوّامة العنف عبر أربعة محاور مترابطة: الأمن، والإعمار والتنمية، والترتيبات السياسية والإدارية، والتعاون الإقليمي والدولي.

في الجانب الأمني، ركّزت الخطة على استعادة الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين، مع انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية دون تحديد جدول زمني واضح. ودعت إلى نزع سلاح حركة حماس والفصائل المقاومة تحت إشراف دولي، مع استمرار مراقبة المعابر والحدود، وتدريب قوات أمن فلسطينية بإشراف خارجي، وإنشاء قوة دولية للاستقرار تشرف على التنفيذ وتمنع اندلاع أي مواجهات جديدة.

وفي مجال التنمية، تناولت الخطة إعادة تأهيل خدمات الكهرباء والمياه والصحة، وبناء المدارس والمستشفيات، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل. وشدّدت على ضرورة الشفافية في إدارة المساعدات كي لا تستغلها الجماعات المسلحة، بما يعزّز ثقة المواطنين ويهيئ بيئة مستقرة تسمح بنجاح باقي الإجراءات.

كما رفضت الخطة تهجير الفلسطينيين، وأكدت حقهم في البقاء داخل القطاع، وتوفير فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية لهم. ورغم غموضها في التفاصيل، نصّت على السماح بعودة من غادروا أو سيغادرون القطاع لاحقاً، في تراجع واضح عن الخطاب السابق لترامب وعن مواقف اليمين الإسرائيلي الداعمة للتهجير القسري.

سياسياً وإدارياً، أبدت الخطة رغبة في إعادة هيكلة الحكم المحلي في غزة عبر إنشاء مجلس سلام برئاسة ترامب، يضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدني لمراقبة التنفيذ وضمان استقلال الإدارة المدنية عن التأثيرات العسكرية. كما وضعت آليات تنسيق بين المجلس والأمم المتحدة وهيئاتها لضمان حماية الحقوق الفلسطينية ومنح الخطة غطاءً قانونياً وسياسياً دولياً.

أما على المستوى الإقليمي والدولي، فتعتمد الخطة على تشكيل قوة الاستقرار الدولية بقيادة مصر والأردن والولايات المتحدة، وتولّي القاهرة وعمّان تدريب قوات الأمن الفلسطينية لتسلّم مهامها بعد المرحلة الانتقالية. وتدعو دولاً عربية وإسلامية وأوروبية لتوفير الدعم المالي والسياسي والفني، مع تحديد مسؤوليات واضحة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لتفادي النزاعات وضمان الفاعلية.

وربطت الخطة إنهاء الحرب في غزة واستعادة الأمن ونزع السلاح باستقرار الإدارة المحلية والتزام السلطة الفلسطينية بتنفيذ برامج إصلاح محددة، ما قد يفتح الباب لمفاوضات لاحقة حول حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

ورغم شمولها وطموحها، تواجه الخطة تحديات تنفيذية ضخمة. فالتأكد من التزام إسرائيل بعدم استخدام القوة عقب سريان وقف إطلاق النار يتطلّب مراقبة إقليمية ودولية دقيقة وتنسيقاً مستمراً ودوراً أميركياً نشطاً لتجنّب أي انتكاسات قد تعيد غزة إلى مربع العنف. كما يشكّل قبول حماس بنزع سلاحها والانخراط في ترتيبات أمنية دولية عقبة أساسية، خصوصاً في ظل غياب جدول زمني واضح لانسحاب القوات الإسرائيلية.

ويتوقّف نجاح الخطة كذلك على قدرة الشركاء الإقليميين على دعمها بوضوح. فمصر والأردن يقع على عاتقهما الدور المحوري في إنشاء قوة الاستقرار والمساهمة في إدارة الأمن عبر تدريب الشرطة الفلسطينية. وأي تردّد في تحديد حدود مشاركتهما، أو غموض في التزامات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، قد يعرّض الترتيبات الأمنية للانهيار، ويترك الإدارة المحلية في غزة تواجه وحدها تحديات معقّدة إنسانياً وأمنياً.

وتبرز هنا المعضلة الأساسية: كيف يمكن الموازنة بين طموح الخطة وقدرة الأطراف على تنفيذها؟ فواشنطن مطالبة بالاستثمار الدبلوماسي والسياسي الكثيف لضمان التزام إسرائيل، فيما تحتاج الدول العربية، خاصة مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات وتركيا، إلى التنسيق مع حماس لتجاوز معضلة نزع السلاح وضمان المشاركة في الإشراف الأمني.

من زاوية تقييم شاملة، تُعدّ خطة ترامب خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث الجمع بين البعدين الإنساني والتنموي من جهة، والأمني والسياسي من جهة أخرى. كما تؤسس لإطار تكاملي يربط الدورين الدولي والعربي في استعادة الاستقرار في غزة، وتفتح المجال أمام حلّ سياسي للقضية الفلسطينية، حتى وإن ربطته بإصلاح السلطة الفلسطينية دون تحديد سياق أو توقيت واضح لذلك.

وفي نهاية المطاف، تختبر الخطة قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على التوافق وتحمل المسؤولية، وتؤكد الحاجة إلى إدارة دقيقة للنزاع في ظل توازنات داخلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد.

https://carnegieendowment.org/emissary/2025/10/gaza-trump-peace-plan-comprehensive-obstacles?lang=en